fbpx أنا أخيرًا رجل أسود غاضب! | Chakchouka Times تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

شكشوكة تايمز جريدة إلكترونية مستقلة شاملة

أنا أخيرًا رجل أسود غاضب!

Share

 

علمتُ أننا نعيشُ ورطةً حقيقية حين فشلتُ في تصريف غضبي. فأنا لم أغضب من قبل، حتّى وإن حدث ذلك، كان غضبي لا يدوم. بدأ غضبي عندما انتخبَ دونالد ترامب. وإن رجلا أسود مثلي يجدُ صعوبة في تصريف غضبه، يدرك أنّ ما شعرتُ به يعني أنّ الغضب بين السود سيرتفعُ حتما إلى مستويات قياسيّة وقد يشتعلُ حالما تتوفّرُ الشرارةُ المناسبة.

ولقد كنتُ على حقّ. إذ تزايد الغضبُ قبل أن تندلع الحرائقُ في كلّ الولايات الخمسين

لم أشعر بالإلهام حين شاهدتُ مقطع فيديو لضباط شرطةٍ يركعونَ مع المتظاهرين المشاركين في الاحتجاجات التي اندلعت اثر مقتل جورج فلويد، تحت شعار " هكذا يبدأ التغيير". لقد شعرتُ بالغضب فحسب، علمًا أنّ ما فعلهُ الضباط لم يكن ضروريّا لو قاموا بالركوع قبل أربع سنوات مع كولين كايبرنيك (كايبرنيك لاعب كرة قدم أمريكية ركع في العام 2016 أمام العلم الأمريكي احتجاجا على معاملة الشرطة السيئة للأقليات في أمريكا- المترجم). إذ كان بإمكانهم وقتها أن يساهموا في تدشين عصر الإصلاح الجذري للتعامل الأمني (مع الأقليات) بدلاً من اعتبار بادرة اللا عنف (التي قام بها اللاعب)، بادرة دخيلة على التقاليد الأمريكية

لقد شعرتُ بالغضب لأنّي لم يسبق لي أن كنتُ دوما هكذا ولا أحبّ أن اكونَ كذلك

وكما ترون، لفترة طويلة، كنتُ واحدًا من السود الطيبين الذين يمكنُ لأصدقائهم وزملائهم وشركائهم وأجوارهم البيض أن يتعاملوا معهم دونَ خوفٍ من أن يكونوا عنصريين،  أولئك الذين يعتقدون أن أمريكا حقّقت تقدّما هائلاً في مكافحة العنصرية منذ تأسيسها، وأحد الأمثلة على ذلك التقدم بفضل النجاح الذي حقّقتهُ بعد كلّ ما واجهتهِ (من مشاكل عنصرية) تمكنتُ من التغلبّ عليها.

ولفترة طويلة، لم أكن رجلاً أسود غاضبًا، حتّى بعد تعلّمي داخل مدرسة تعاني من نقص التمويل، وظلّت تعاني من الميز طوال أربعة عقودٍ، بعد قضيّة براون ضد مجلس التعليم في قلب الجنوب (الامريكي) العميق (قضيّة براون ضد مجلس التعليم: قضية تاريخية بارزة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت فيها المحكمة العليا في العام 1957 أن القوانين التي تنص على إنشاء مدارس عامة مُنفصلة للطلاب السود والبيض غير دستورية- المترجم).

 

 

أنا أخيرًا رجل أسود غاضب!

 

لم أغضب أيضا حين شاهدتُ أخي الأكبر، وبطلي، يتم اقتياده مصفّدًا بسبب قتله لرجل أبيض، وقد كنتُ صبيّا في التاسعة من عمري. لقد حكم عليهِ بـ 32 سنة سجنًا، ما قلب حياة عائلتنا إلى الأبد. وبدل أن اشعر بالغضب، شعرتُ بالذنب، حالي في ذلك، حال الليبيراليين البيض الذين يبالغون في إظهار جهودهم، مسترشدين بذلك الإحساس، لترضية السود، بسبب إدراكهم لحجم الضرر العرقي الذي عانى منهُ السود منذ تأسيس هذا البلد.

كان إحساسي بالذنب أسود اللون، ذنب تأتّى من معرفتي بأن أخي الأسود ألحق ضررًا لا يمكنُ إصلاحه بعائلة بيضاء فقيرة، ذنب ساعد في اقناعي على محاولة تعويض البيض بأفضل ما أستطيع.

ولهذا السبب على الأرجح، ركزتُ في كتاباتي على أولئك البيض الذين لم يصرخوا من نوافذ سيّاراتهم "يا زنجي"، حين أركضُ على طول شارع أوشين في ميرتل بيتش، جنوب كاليفورنيا، بدلاً من التركيز على من يقولونها لي. ولهذا السبب، قضيتُ عقدين من عمري أتردّدُ على كنيسة إنجيلية يرتادها البيض في الغالب. ولهذا السبب تصالحتُ في قرارة نفسي مع فكرة العلم الكونفدرالي (علم الولايات التي انتفضت على إلغاء الرق في أمريكا- المترجم)، وناقشت جذورها بصراحة مشوبة بالحذر لكي لا أزعج أصدقائي وزملائي البيض، الذين يقدّسون رمزًا يروّجُ لفكرة أن السود يجب أن يستعبدوا من البيض إلى الأبد

ومع ذلك، لم يحوّلني أيّ من ذلك، ولفترة طويلة، إلى رجل أسود غاضب. بل وشعرتُ لفترة طويلة بالفخر حين لاحظ أحد أساتذتي البيض أنيّ لم أكن غاضبا كفاية، بل لم أكن غاضبا لى الإطلاق، بعد أن اطلع على ورقتي البحثيّة التي عقدتُ فيها مقارنة بين مالكولم إكس ومارتن لوثر كينغ جونيور، إذ كانت تتناسبُ تماما مع معتقداتي المسيحيّة، تلك التي تحثّنا على محبّة أعدائنا، وعدم ترك أنفسنا للغضب، وإدارة الخدّ الأيسر (حين نصفعُ على الخدّ الأيمن).

صحيح أنّه ثمّة أوقات شعرتُ فيها بالضيق، كما حدث حين شاهدتُ رجال الشرطة يضربون رودني كينغ على جانب الطريق في العام 1991، لكني أجبرتُ نفسي على تصريف غضبي، ولم أتركهُ يحدّدُ هويّتي أو يسيطر على أفكاري

لم أغضب حتّى حين عانيتُ من تلعثمٍ حادّ، ناتجٍ عن اضطراب ما بعد الصدمة، وذلك لمدة ربع قرنٍ، حتّى شارفتُ على الموت بسبب مرضي المناعي النادر، قبل أن يتم تشخيص حالتي وأحصل على المساعدة الطبية. ولقد فشلوا في تحديد سبب مرضي ذاك، رغم أنّه يجدُ جذورهُ في طفولةٍ مجدورة بسبب العنصريّة الممنهجة.   

لقد بدأت مشاكل موشي، أخي الأكبر مع أبي الذي كان يضربهُ هو وأمّنا. أبي رجل ولد في ذلك الجنوب الذي ما يزالُ يجمعُ الرجال السود كالقطعان ويبيعهم، مستغلاً منظومة العدالة الجنائية، إلى أنواع جديدة من العبوديّة. ولقد تعرضّ رجالٌ كأبي إلى السحل في الشوارع حتّى الموت وإلى بقيّة الإهانات الشائعة الأخرى. ومن ثمّة، ساعدت المعاملة العنصرية في تحويل أبي إلى خطر يتهدد أمّي وأخي الأكبر الأسودين.  

وذلك ما يختصرُ أيضا حياةَ عمّاتي وأعمامي الذين استسلموا لمجموعةٍ من الأمراض الناتجةِ عن تلك المعاملة. صحيح أنّ عمّتي الوحيدة الباقية على قيد الحياة نجت من ذلك كلّه ولكن ليس من دون ندوبٍ عميقة. وكم شاركتنا قصصا من طفولتها عن بلدتها الجنوبيّة الصغيرة، حيث "يختفي السود". 

وذلك الإرثُ هو ما ساهم في تغذية صراعاتي النفسيّة والصحيّة التي أتعاملُ معها إلى اليوم. يحبُّ الجمهور سماع كل قصص تغلّبي عليها، ولكنّه يكرهُ أن أحدّثهُ عن الثمن الذي توجّب علينا دفعهُ، أنا وقومي، بل لا يرغبون في معرفة أنّ من تغلبّوا على العنصريّة، لم يتجاوزوها دون ندوبٍ.

بيد أنّ غضبي ظهر للمرة الأولى، على شاكلة خيبة أملٍ من ردود أفعال أعضاء الكنيسة الإنجيلية البيضاء التي أتردد عليها، إثر انتخاب باراك أوباما، إذ عبّروا علنا عن كراهيتهم له. لقد عبروا علنا ​​عن كراهيتهم له، وطفقوا يظهرون إيمانهم بنظرية المؤامرة العنصرية البشعة. ولقد تحوّلت خيبة أملي إلى إحساس بالخيانة حين سارعوا إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا، رغم أننا صلينا معًا، بعد إطلاق ديلان روف النار على رجل الكنيسة الأسود إيمانويل إيه أم، في تشارلستون، جنوب كاليفورنيا، في تلك الكنيسة التي تقع على طول شارع يحمل اسم أحد أبرز أنصار العبودية في البلاد، جون سي كالهون، حيث حضرتُ أوّل قدّاس مع زوجتي المستقبليّة.

لقد غضبت وفشلتُ في التخلّص من غضبي. غضبت من الصحافيين البيض الذين يرفضون الاستماع إلى أشخاص مثلي يخبروهم بأنّ شيئا مّا حدث (بعد انتخاب ترامب) وأن الأمور تغيّرت، ولم تعد مجرّد سياسة معتمدة كما في السابق. لقد عجّل استخدامُ ترامب الصريح للتعصّب والعنصرية في صعودهِ إلى عرش السياسة الوطنية. وبدل أن يصده الجمهوريون، احتضنوه. وكلّما استخدام ترامب للتعصب والعنصرية الصريحين إلى السياسة الوطنية. احتضنه الجمهوريون بدلاً من صده. بل كلّما ازدادت مواقفه سوءًا، كلّما كانت الموافقة عليها في صفوف الحزب أكثر. لقد شعرت بالخجل لأنّي وجدتُ نفسي مجبرًا على التصويت للجمهوريين، وخجلتُ من اعتقادي أنّ تصويتي ذاك هو محاولة للقفز على الانقسامات العرقية، وهذا ما يفسّرُ انتمائي طوال كلّ هذا الوقت إلى كنيسة بيضاء، يؤمنُ الكثيرون من مؤمنيها بأنّ دونالد ترامب مرسل من الله بأمر من الله.

وفي حالتي الذهنيّة الرّاهنة، لم أستطع إلاّ أن أغضب خلال الأشهر القليلة الماضية، عندما بدأت البيانات تظهر أن السود يتأثرون بشكل أكبر بمرض كورونا، بسبب ما يعانونهُ من أمراضٍ تفاقمت بسبب العنصريّة التي أضعفت أجسادهم لزمنٍ طويلٍ، والتي أجبرتنا على البقاء في وظائف اعتبرت حيويّة خلال فترة الوباء، وهو ما عرّضنا إلى الإصابة على الأرجح بالفيروس.  

أعرف أنّ الرئيس ترامب ليس مسؤولا عن التفاوت العرقيّ الذي تمّ تمضينهُ في منظومات العدالة الجنائية والتعليم والرعاية الصحية منذ إنشائها. وبالمثل، أعرفُ أنّ رجال الشرطة كانوا يقتلون الرجال والنساء السود دون أن يحاسبوا وذلك قبل فترة طويلة من العام 2016. كما أعرفُ أنّ الحزب الديمقراطي خذل السود بخصوص قضيّة المسألة العرقيّة، بطرق كثيرة لا داعي لتعدادها. ولهذه الأسباب، لم ألم السيد ترامب على الحال الذي نعيشهُ، بيد أنّي أدركتُ أنّ ارتقائه إلى أعلى منصب في الدولة سيكونُ نقطة تحول.

لقد شعرت وكأنها محاولة من أمريكا البيضاء لإعادة عقارب الساعة إلى الخمسينات. كنت أعرفُ أننا، أيّ السود، لن نعود مذعنين إلى مؤخرة الحافلة، حتّى وهم يحرجوننا بحركة الركوعِ كتعبير منهم عن مشاركتنا احتجاجاتنا السلميّة. كنتُ أعرفُ أنّ رجلاً أسود مثلي، إذا حدث ووجد نفسهُ في حالة غضب مستمرّة لم يقدر على تخليص نفسه منها، فإنّ الوضع صار قابلاً للانفجار


 

  هذا المقال للكاتب الأمريكي إيزاك بايلي، نشر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 6 جوان 2020، وتولى وليد أحمد الفرشيشي تعريبه ونقله إلى اللغة العربية.

 

محاور
نبض الإعلام
الكلمات المفاتيح
إيزاك بايلي نيويورك تايمز جورج فلويد أمريكا العنصرية
الكاتب

Share