fbpx قيس سعيّد يطلق صاروخ "الفصل 80" من منصته! | Chakchouka Times تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

شكشوكة تايمز جريدة إلكترونية مستقلة شاملة

قيس سعيّد يطلق صاروخ "الفصل 80" من منصته!

Share

 

في خطوة فاجأت كلّ التونسيين دون استثناء، قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد، ليلة أمس الأحد 25 جويلية 2021، تجميد أعمال واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن كافة أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولي السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية. وجاءت هذه القرارات في أعقاب اجتماع طارئ عقده سعيد مع القيادات الأمنية والإطارات العسكرية في وقت متأخر من يوم الأحد بقصر قرطاج، في أعقاب مظاهرات شهدتها كافة مدن البلاد تخللتها أعمال عنف وتخريب طالت مقرات حركة النهضة واشتباكات مع قوات الأمن.
وكان سعيد قد شدّد في كلمته المصوّرة على ضرورة تطبيق هذه القرارات فورا، موضحا أنه سيتولى رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك ملفات الجرائم التي ترتكب في حق تونس ويتم إخفاؤها في وزارة العدل، مضيفا أنه سيتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يتولى تعيينه، وأعضاء حكومة يتولى كذلك تعيينهم باقتراح من رئيس الحكومة. وأضاف أن هذه التدابير الاستثنائية، اقتضاها الوضع الذي وصلت إليه تونس بعد تهاوي المرافق العمومية واندلاع عمليات حرق ونهب وتوزيع بعض الأطراف الأموال لبعض الأحياء من أجل دفعها إلى الاقتتال الداخلي، من أجل إنقاذ الدولة التونسية ومجتمعها.
وقال إنه عملا بأحكام الفصل 80 من الدستور، وبعد التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، سيتم تطبيق هذه القرارات فورا، حتى يعود السلم الاجتماعي لتونس ويتم إنقاذ الدولة والمجتمع، محذرا كل من يحاول اللجوء إلى السلاح أو التطاول على الدولة ورموزها، بأن "من يطلق رصاصة ستجابهه قواتنا الأمنية والعسكرية بوابل من الرصاص".
وما حدث ليلة أمس أعاد إلى الأذهان تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، قبل سنة من الآن، حين قال ردّا على مطالبة حركة النهضة بإقالة إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة الأسبق إنّ "رئاسة الدولة ليس بالكرسي الشاغر"، مضيفًا "الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لديّ اليوم، بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولكن لا أريد اللجوء إليها في هذا الظرف بالذات، ولكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل ".. وها هو رئيس الجمهوريّة في ليلة تاريخية يقودُ معركةِ ردّ الاعتبار لمؤّسسات الدولة، بعد ما أصاب عقل الدولة من شللٍ تنفيذي وتشريعيّ. .وبأدوات دستورية صرفة.

صاروخ باليستي

وهذهِ المعركة لن تنتهي بحلّ البرلمان فحسب ما قد يتصوّرُ البعض (دعكم من مسألة التجميد)، ذلك أن العملية الجراحية التي قادها رئيس الجمهورية تهدفُ أساسا إلى استئصال منظومة أرهقت البلاد والعباد وتسبّبت في حصيلة صحيّة كارثية شارفت العشرين ألف متوفّى. وطوال الوقت كان الرّئيسُ يتحوّزُ على صاروخٍ باليستيّ لهُ اسمٌ وحيد هو الفصل 80 من الدستور، وهذا الفصلُ يعلنُ بوضوحٍ أنّ "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة رئيس البرلمان وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب"، ما يعني تعليق العمل بالدستور وتعطيل كلّ المؤسسات، وإدارةُ الدولةِ بقبضةٍ من حديد، مستعينا في ذلك بمؤسستي الأمن والجيش التونسيين. وبلغةٍ أوضح، نقولُ إنّ كان أمام الرّئيس خيارٌ آخر غفلُ عنهُ خصومهُ وهو ردّ كلّ السلطاتِ إليه إلى حين انتهاء الأزمة، وهو ما التجأ إليه في الأخير.

كرسي الرئاسة ليس شاغرًا

ولقد سبق لنا أن أشرنا في أكثر من الموضعٍ أنّ الرّئيس يعدُّ الضامن الوحيد لأمن البلاد ووحدة التونسيين، ومن موقعهُ هذا كان على الرّئيس أن يتدخّل. وللتذكير فقط، التزم رئيس الجمهورية، خلال الأزمة الأخيرة، بروح الدستور نفسهِ، إذ قام برفض طبخات الحزام السياسي من أجل تمرير حكومة سياسية يكون فيها رئيس الحكومة مجرّد دمية في أيدي أصحاب المصالح، ومع ذلك، يعلم الرئيس قبل غيره أن وضعُ الازمة الشاملة في تونس، قد يعيدُ البلاد مجدّدًا إلى مربّع الفوضى، خصوصا مع مجلس نيابيّ منقسمٌ على نفسهِ، استحال العملُ فيهِ بين مختلف مكوّناتهِ، بل وصار التعايشُ بين النواب أنفسهم غير ممكنٍ، بعد أن بلغ الاحتقانُ السياسيّ حدًّا غير مقبول. وأمام وضعيّة كهذهِ، لم يكن أمام الرّئيس، نظريا، سوى خيارين لا ثالث لهما:
أوّلا، حلّ البرلمان، بيد أن تفعيل هذا الفصل يقيّدُ تحرّك الرّئيس ويعيد المبادرة للمجلس النيابي الذي يحملُ في داخله عناوين فشل منظومة كاملة، وقد يهدّدُ بصعود أنواع جديدة من الفاشيّة السياسية، ما يهدّدُ بانحراف البلاد إلى مرّبع الاقتتال الأهليّ.
ثانيا، تفعيل الفصل 80 من الدستور أي فصل “الخطر الّداهم"، وهذا الفصل يخوّلُ لرئيس الجمهورية التّدخل في مجال المشرّع وفي اختصاصات رئيس الحكومة، واتخاذ جميع التدابير مهما كانت طبيعتها، أي بعبارة أخرى يتيحُ هذا الفصل للرئيس تعليق العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويضعُ كلّ السلطات بين يديهِ. وفي اعتقادنا هذا هو التأويلُ الممكنُ والوحيد لأحد التصريحات المثيرة السابقة لرئيس الجمهوريّة، تصريحٌ جاء فيه: " إنّ الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لديّ اليوم، بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولكن لا أريد اللجوء إليها في هذا الظرف بالذات، ولكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل ".

سلطة تقديريّة

وما عززُّ فرضيّة استخدام رئيس الجمهوريّة لفصل "الخطر الداهم" هو غيابُ المحكمة الدستوريّة وانقسام الطبقة السياسية على نفسها وخروج الناس إلى الشوارع مطالبة بحل البرلمان ومحاسبة المنظومة السياسية، الحكومة ناهيك عن تواضع أداء رئيس مجلس نواب الشعب الذي بات عاجزًا عن فرض الانضباط تحب قبّة قصر باردو، علاوة على أنه هو الآخر بات هدفا للتونسيين الذين يحملونه مسؤولية تردي الأوضاع في تونس طوال عقدٍ من الزمن.  
والمعلوم أنّ حلّ البرلمان في هذا الوقت والذهاب إلى انتخابات تشريعيّة مبكرة قد يكون أمرًا غير ذي جدوى، لأنّ الانتخابات نفسها قد تعيد إنتاج مشهدٍ أكثر سوءًا وخطرًا على البلاد، ومن ثمّة يبقى الفصل 80، فصل المحظور الذي تبيحهُ الضرورة، هو أفضلُ الحلول لقيادة مرحلة انتقالية محددة في الزمن، خصوصا أنّ الوضع الحالي للبلاد هو وضع خطر داهم بالفعل مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولنعد إلى تصريحات الرئيس الأخيرة، إذ قال يوم أمس إن الجيش مستعدّ لمواجهة محاولات زعزعة الاستقرار بالقوة، وهو تصريح يبدو منسجما مع ما سبق للرئيس أن ذكره بخصوص وجود أطرافٍ تسعى إلى تفجير الدولةِ من الداخل. وفي الواقع، نفهمُ الآن أنّ كلّ ما ذكرهُ في السابق ما هو إلاّ تمهيدٍ لتهيئة الشعبِ لفكرة القبولُ بتفعيل الفصل 80 من الدستور. خصوصا أنّه يعلمُ أنّ تنقيح النظامين الانتخابي والسياسي لن يوافق عليه البرلمانُ بتركيبتهِ الحاليّة، ومن ثمّة فإن التجاءهُ إلى هذا الفصل تحديدًا يمنحهُ هامش تحرّك واسعٍ لترتيب الوضعين الداخلي والخارجيّ للبلاد. 
وإذ كنا لا نعلم يقينا نوايا الرّئيس بعد تفعيل هذا الفصل، ولا مآلات الأحداث السياسية في تونس وحتى خارجها، فإنّ ما نعرفهُ على وجه الدقة أنّ هذا الفصل هو بمثابة سيف مسلط على رقاب القوى السياسيةـ قد يدفعها دفعا إلى مراجعةِ حساباتها في قادم المحطات السياسية.
ما يتبقى هو التالي، هو كيف نعرّفُ الخطر الداهم؟ وما هي حدودهُ ووسائل القضاء عليه؟ ففي غياب المحكمة الدستورية (التي عطلت النهضة تشكيلها) حلّت محلها السلطة التقديرية للرّئيس، الذي بدأ في تهيئة المزاج العام لتقّبل فكرة تغيير النظام السياسي، وربّما تعليق العمل بالدستور، وهيّأ المؤسستين الأمنية والعسكرية كجهتي إسنادٍ لازمتين لذلك.
فما الذي سيحصل بعد ذلك؟ هذا ما ستجيبُ عليه الأحداث السياسية قريبا..
 

محاور
سياسية
الكلمات المفاتيح
الخطر الداهم الفصل 80 رئيس الجمهورية قيس سعيّد الدستور
Share