
نجحت حكومة هشام المشيشي، يوم الاثنين الماضي، في انتزاع مصادقة مجلس نواب الشعب على خطتها الاقتصادية الجديدة الموسومة بـقانون الإنعاش الاقتصادي، بموافقة 110 نواب مع احتفاظ خمسة بأصواتهم واعتراض سبعة آخرين.
ولئن أثار القانون نفسهُ اعتراض جزء من نواب المعارضة والمنظمات المستقلة المختصة في الحوكمة ومقاومة الفساد، إلا أنّ الساحتين المالية والاقتصادية رحّبتا بقانونٍ رأتا فيه بيانا حكوميا يعكسُ رغبةً في تجاوز الركود الاقتصادي، ودفع حركة الاستثمار وخلق مواطن الشغل وإدماج القطاع الموازي، وإنهاء "مظلمة" مخالفات الصرف، وتمكين التونسيين للمرّة الأولى من مسك حسابات بالعملة الصعبة.
وقبل تفصيل بعض ما ورد في فصول القانون، لا بدّمن الإشارة إلى أنّ حكومة المشيشي وجدت نفسها في منطقة بين منطقتين، فإمّا أن تكسر البيضة وتقوم بتثوير بعض التشريعات الاقتصادية وتحمّل تكلفة ذلك، كبروز طبقة جديدة من المتمعّشين والمستفيدين، أو مواصلة العمل بالقوانين القديمة، وتأبيد حالة العطالة المتفشّية في مفاصل الدولة، لا سيّما مع تواصل الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، فضلاً عن ارتفاع نسبة وفيات المؤسسات جراء الازمة الصحيّة وتراجع كلّ محركات الاقتصاد التونسي (الاستثمار، التصدير، الادخار،...)
كسر البيضة
وأمام حتميّة الاختيار، فضلت حكومة المشيشي كسر بيضة الخوف وتثوير منظوماتها التي يتفق الخبراءُ على أنّها باتت عبئا اقتصاديا وتشريعيا ذا كلفةٍ باهظة، لا يستجيب لمنطق التحولات الاقتصادية العالمية الكبرى. ولقد تضمّن قانون الإنعاش الاقتصادي جملة من الإجراءات الثورية فعلاً كتخفيف الضغط الجبائي على الشركات والمستثمرين والمطورين العقاريين، وإدماج الأنشطة والعملة المتأتية من الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، ومقاومة التهرب الضريبي ودعم الشفافية، فضلاً عن إجراءات لترشيد تداول الأموال نقداً.
كما يوفّرُ هذا القانون للمواطنين الانتفاع من قروض بنكية للتملك بنسبة فائدة سنوية تقدر بثلاثة في المئة، تسدّد على مدة أقصاها 40 عاماً، مع عدم اشتراط توفير تمويل ذاتي بالنسبة إلى المسكن الأول، وهو ما يعتبر مطلباً أساسياً للباعثين العقاريين وسيمكن التونسيين من امتلاك مسكن بشروط مقبولة.
ومن الإجراءات المهمّة التي تضمنّها القانون، السماح لكل مواطن تونسي، بمسك أو فتح حساب بالعملة الأجنبية أو بالدينار القابل للتحويل بتونس، وهو ما يعد أحد أبرز المطالب التي رفعها عدد من التونسيين والمستثمرين لتسهيل العمليات التجارية او الشراءات من الخارج.
كما مكن الشركات من إعادة تقييم العقارات المبنية وغير المبنية التي تتضمنها موازناتها حسب قيمتها الحقيقية، وطرح الأرباح أو المداخيل المعاد استثمارها في رأس مال المؤسسات المصدرة كلياً، إضافة إلى تسوية المخالفات والجنح الديوانية للمؤسسات عبر الاقتصار على دفع عشرة في المئة من مبلغ الضرائب المتوجبة.
علاوة على ذلك، وضع القانون خط تمويل بثلاثة مليارات دينار على ذمة المؤسسات بشروط ميسرة وبضمان الدولة مما من شأنه أن يساهم في تجاوز المصاعب المالية والاقتصادية الراهنة وفي دفع النمو وتنشيط الاقتصاد، وإذ تهدفُ هذه الإجراءات إلى دعم المؤسسات التونسية، خاصة منها المصدّرة، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، فإنّها لم تغفل أيضا الاقتصاد الموازي، من خلال توفير حزمة إجراءات مهمّة كإحداث مساهمة تحررية قد تصل نسبتها إلى 20 في المئة توظف على المبالغ المتأتية من مداخيل وأرباح غير مصرح بها، أو مسك عملات في شكل أوراق نقدية أجنبية بتونس ومكاسب من العملات بالخارج من دون التصريح، شريطة إيداع المبالغ المذكورة بحساب بنكي أو بريدي.
تحوير جبائي...
ورغم أنّ الأنظار كانت تتطلّع إلى عملي تثوير حقيقية لقطاعة الجباية، إلا أن القانون الجديد اكتفى بإجراءات بسيطة كإسناد معرفات جبائية رأساً للأشخاص المخلين بواجب التصريح في الوجود، والتخفيض من ستة إلى أربعة أشهر في المدة القصوى المحددة لإجراء المراجعة الضريبية المعمقة، أو الرفع من ثلاثة إلى ستة في المئة في معلوم إسداء خدمة التسجيل المستوجب على العقود والتصاريح المتعلقة بنقل ملكية عقارات (الهبات والتركات)، واحتساب هذا المعلوم على أساس القيمة المحينة للعقارات المحالة.
كما اقترح القانون إجراءات جديدة لفائدة الجالية التونسية في الخارج، من أبرزها تمكينها من الانتفاع بالتسجيل بالمعلوم القار عوضاً عن المعلوم النسبي عند الاقتناء بالعملة الأجنبية للعقارات المعدة لممارسة نشاط اقتصادي واقتناء الأراضي. كما يقر القانون احتساب معاليم الجولان على السيارات المسجلة خارج البلاد، التي تم توريدها من قبل التونسيين بالخارج بشرط تجاوز مدة ثلاثة أشهر.
المهم والأهمّ
وههنا تجدرُ الإشارة إلى أن القانون كانت قد أعدته حكومة السيد إلياس الفخفاخ، قبل سقوطها، لتعيد حكومة المشيشي صياغتهُ وإدخال فصول جديدة عليه، لعلّ أبرزها هو وضع خطّ تمويل على ذمة المؤسسات التونسية.
ولقد رحّبت الساحتين المالية والاقتصادية بالقانون الجديد إذ رأت فيه مشروعا تثويريا يحمل أبعادا اقتصادية ومالية واجتماعية ومجتمعية تهدفُ إلى" إنقاذ الاقتصاد الوطني في ظل الصعوبات التي تواجهها البلاد"، حسب بيان منظمة الأعراف التي اعتبرت القانون " خطوة هامة على طريق تطوير التشريعات الاقتصادية والمالية وملائمتها مع تشريعات البلدان المتطورة، ومع الظروف التي تعيشها تونس خاصة جراء تداعيات أزمة فيروس كورونا، ويمثل أرضية مناسبة لتحسين المناخ العام للاستثمار والأعمال وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وجاذبية الوجهة التونسية، وسيساعد على المحافظة على ديمومة المؤسسات وعلى مواطن الشغل وخلق فرص عمل جديدة خاصة للشباب في كل الجهات والقطاعات".
كما سجلت المنظمة ارتياحها " بالخصوص لأهمية وضع خط تمويل بثلاثة مليارات دينار على ذمة المؤسسات بشروط ميسرة وبضمان الدولة مما من شأنه أن يساهم في تجاوز المصاعب المالية والاقتصادية الراهنة وفي دفع النمو وتنشيط الاقتصاد، وكذلك إقرار خط تمويل بشروط ميسرة وبدون تمويل ذاتي في مجال السكن مما يحسن المقدرة الشرائية في هذا المجال الحيوي ويفتح أبواب الأمل أمام التونسيين وخاصة الشباب في امتلاك مسكن".
هذا الموقف تردد صداهُ أيضا داخل الأوساط البنكية والمصرفيّة، ومع ذلك لم ينجُ القانون من الانتقادات رغم مصادقة المجلس عليه، إذ رأى بعض النواب في بعض فصوله (فيصل دربال، عضو لجنة المالية) خطوة إلى الوراء وتطبيعا مع منظومة غسيل الأموال، فيما اتهمت منظمة أنا يقظ الحكومة بتكريس المصالحة الجبائية مع المتهربين ضريبياً وإعطاء مشروعية لبارونات التهريب.
ومهما يكن من أمر، فإنّ القانون نفسهُ يعتبرُ "ثوريّا" و "مهمّا" في ظرفٍ جدّ حسّاس تمرّ به البلاد، خاصة أنّ المالية العمومية ما تزالُ تعاني مشكلات كبرى مع عجز مالي بلغ 11.4 بالمئة وانكماش اقتصادي 8.8 بالمئة في 2020، علما أن الانكماش بلغ في الربع الأول من العام الحالي نسبة ثلاثة بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. صحيحٌ أنّ الشياطين ستسعى إلى امتلاك إقامات فخمة داخل فصول هذا القانون الجديد، وصحيح أيضا أنّ بارونات الفساد ولورداته ستسعى إلى تحويل وجهة بعض الفصول لخدمة أجنداته، ولكن سيكون من الأصحّ أيضا أن نقول إنّ أيّ إنجازٍ سيسحبُ وراءهُ بعض الشوائب ومع على أجهزة الدولة الرقابية سوى أن تقتنص اللحظة وتقوم بواجبها على أفضل وجه.
تحدي القمح والشعير
رؤى للإصلاح... #شكشوكة تايمز الحلقة الثانية مع السيد #الهادي العربي
الدوري السوبر: الأندية المؤسسة ماضية بمشروعها بدعم قضائي
سعيّد: من يتحدث عن خرق للدستور كاذب ولن أتحول إلى دكتاتور
هل تحتاج تونس إلى «الديمقراطية» أم إلى «مستبد عادل»؟
منظمة الصحة العالمية: موجة وبائية رابعة في 15 دولة
قيس سعيّد: حريص على احترام الحقوق والحريات ولن أتنكر لما كنت أدرّسه لأجيال وأجيال
أيوب الحفناوي: الذهبية الأولمبية لم تأت بها الصدفة والملولي أسطورة بالنسبة لي
نهاية مرحلة وبداية أخرى.. الطريق إلى الجمهورية الثالثة!
العين الإماراتي يتعاقد مع المدافع الدولي التونسي ياسين مرياح
تدابير استثنائية.. "جدل ثلاثي" يعكس انقساما سياسيا في تونس
اتفاق مبدئي بين ريال مدريد ومانشستر يونايتد بشأن انتقال فاران
قيس سعيّد.. الكأس نصف ملآن أم فارغ؟
أسامة الملولي.. أسطورة السباحة التّونسي يطمح لإنجاز جديد في طوكيو
قيس سعيّد يطلق صاروخ "الفصل 80" من منصته!
أولمبياد طوكيو- تايكواندو: التونسي الجندوبي يتقلّد الفضة ويحرز أولى ميداليات العرب
اكتشاف حفرية "جد" تماسيح العصر الحديث في تشيلي
أولمبياد طوكيو: النور يبزغ على إحدى أكثر الألعاب جدلية في التاريخ
مجلس إدارة البنك المركزي يقرر البقاء في حالة انعقاد لانتظار مآلات قانون إنعاش الاقتصاد
البندقية تفلت من تصنيفها في قائمة اليونسكو للتراث المعرض للخطر